الإغراء.. في التفاصيل

موقعٌ يستقبلك بموسيقى خاطفة، تأسر قلبك من اللقاء الأول. أو مترو يحمل داخله رائحة قهوة نفّاذة تغريك أن تلتهم مزارع بُنّ العالم.. أو مكتب آسر، تحمل أركانه الزجاجية إحساس الربيع، يعانقك بكل ما فيه، فتؤمن أنه وطنك الآمن الذي لن تهجره يومًا.. 

باقات من الورود في غُرف الانتظار، برفقة بطاقات أنيقة تمتلئ حُبًّا ونقاءً احتفالًا وبهجة بمناسبة أعياد الميلاد، ثم ماذا؟ تتحقق الكثير من المعجزات على الأرض.. من كان يتوقع أن الأداء يرتفع بما يقارب الضعف، ومن الذي كان يتخيل أن تتحوّل بيئة العمل إلى بيئة جاذبة تستقطب الكفاءات بعد أن كانت طاردة، فينخفض معدل التسرب الوظيفي إلى النصف.. وأكثر من ذلك!! 

لكن الأفكار الخلاقة في التسويق والمبيعات والتشغيل والتخطيط، تنبع من عقول نيّرة تعمل بتناغمِ كبير.. التفاصيل تصنع الفرق، تلك حقيقة!! لا شيء يحدث فجأة. الإدارة دوائر متصلة.. حلقات متماسكة، أسهمٌ تسير في اتجاه واحد، تدفع بعضها بعضًا، لا يقف في طريقها سدٌ ولا حاجز. ولا تسأل بعدها عن المنافسة الشرسة أو عواصف السوق العاتية.. 

أمّا إن كانت بيئتك الداخلية ليست سوى غابة.. يأكل القوي فيها الضعيف بلا رادعٍ أو حسيب، أو كانت تُشبه أفلام الرعب حيث يعاقب الذي يفكر أو يُخطئ بالقص واللصق والقطع حيًّا في قلب الظلام، أو كانت جمهورية انقلابية غاشمة تحكمها قوانين بائسة، فأرجوك لا تُتعب نفسك في البحث عن مساحة سوقية أكبر، ولا تُحاول جاهدًا أن تحيي ما مات، ولا تتساءل ما الذي حلَّ بالإبداع الخلّاق والمنافسة والأرباح.. إن كُنت لا تدرك مدى تأثير غياب الأشياء الصغيرة على النتائج. ستموت الأفكار في المهد بذرة، وستبقى في مكانك سِرًّا، بل لن يكون لك مكان أصلًا في القريب العاجل!! 

القائد المُحنّك يهتم بكل صغيرة وكبيرة في بيئة العمل. يُنصت إلى ما يُقال وما لا يُقال، ثم يبني قرارهُ، يُدرك أنه من المحُال أن يبلغ مبتغاه دون أن يأخذ في الحسبان كل العوائق والمعطيات. جُلّ عظماء القيادة في هذا العالم، كانوا يُمارسون اللعبة الشهيرة.. رقعةٌ ممتدة يحفظون حذافيرها عن ظهر قلب، يحركون كل يومٍ قطعة، يمارسون مهامهم بفن وحِرفة.. ويقتنصون الفرصة. ذلك قدر القائد ومنحته الأسمى.  #ثامر_شاكر