التعليم حلقة السلسلة التي يفتقدها الوطن العربي لتحقيق أهدافه الإقتصادية الطموحة
في أقل من 50 سنة تحولت سنغافورة من مستعمرة إنجليزية تعاني من هشاشة إقتصاد مدمر إلى واحدة من الدول المنافسة لإقتصادات الدول الغربية العظمى ، المتصفح في تاريخ النهضة السنغافورية لا يجد عوامل متعددة لذلك ، بل هو عامل واحد ووحيد كان له الفضل في بناء سنغافورة المعاصرة التي يراها العالم اليوم ، إنه التعليم الذي يعتبر العصب الرئيسي للنهضة الإقتصادية السنغافورية .
لقد استطاعت سنغافورة في ظرف وجيز أن تجد مخارج للإبداع والإبتكار من خلال التعليم الذي تعتبره أساس الإستثمار في رأس مالها البشري ، والذي انعكس نجاحه بشكل إيجابي على مختلف مجالات الحياة الشخصية للشعب السنغافوري لا سيما منها الجانب الإقتصادي ، ما أود الإشارة إليه في هذا المقال هو التنويه بتجربة التعليم في سنغافورة وكيف تمكنت هذه الدولة من الإنتقال إلى مصاف الدول الإقتصادية الكبرى عبر نافذة التعليم .
تحضرني هنا جملة ذكرها موقع " Contact Singapore" المتخصص في البحث عن فرص عمل في سنغافورة ، مفادها أن " الإنسان هو مورد الدولة الوحيد " ، نستخلص من هذه الجملة نتيجة واحدة فقط وهي أن أنجح إستثمار على وجه الأرض هو الإستثمار في الإنسان ، و أهم عامل في إنجاح هذا النوع من الإستثمارات هو إيجاد منظومة تربوية ومناهج تعليمية كفيلة بإنتاج عقول تفكر ، تحلل ، تستنتج وتبني لا عقولا خاملة تقرأ وتخزن فقط ، عقولا مدربة ومرنة من شأنها التغلب على التحديات والتفاعل مع المستجدات ، هذا ما يحتاجه مجتمعنا العربي عامة اليوم .
لماذا النموذج السنغافوري ؟
قد يتساءل القارىء لهذا المقال لماذا اخترنا نظام التعليم السنغافوري نموذجا ، باختصار شديد فإن نظام التعليم في سنغافورة يهدف بالدرجة الأولى إلى بناء شخصية قوية للطفل ويعتمد أساليب عملية تهدف بدورها إلى تنمية المهارات الإجتماعية للطفل وهذا ما يعكس تقدمه في مختلف المراحل التعليمة المقبلة ، حيث تشير إحدى نتائج PISA
" البرنامج الدولي لتقييم الطلبة " أن طلبة الصف الثامن في سنغافورة الذين تترواح أعمارهم مابين 14و15 عاما يتمتعون بنفس المهارات العلمية التي يتمتع بها طلبة الجامعات العربية !!! ، وهذا وحده سبب مقنع لنتعمق في دراسة التجربة التعليمية في هذه الدولة ونحذو حذوها ، فإذا كانت مهارات طالب صف ثامن بها تضاهي مهارات طالب جامعة لدينا ، فكيف هي إذن مهارات طالب جامعي بها ؟؟؟
انطلاقا من هذا النموذج ، يمكننا القول أن بناء إقتصاد وطني قوي لا يعتمد بالضرورة على استيراد كفاءات مهنية من الخارج ، وإنما يعتمد على خلق مثل هذه الكفاءات وإنتاج أحسن منها داخليا لتتماشى مع المعطيات الخارجية بواسطة منهج تعليمي يكفل لأطفالنا مواجهة تحديات العولمة والتطور التكنولوجي المتسارع مستقبلا ، منهج تعليمي يغرس في نفوس أطفالنا روح الإبداع والإبتكار لتحقيق الأهداف الإقتصادية الطموحة التي نصبو إليها .
نحن اليوم مطالبون بمنظومة تربوية تمجد المعرفة وتكرس البحث والتطوير وتتيح الفرص للمبتكرين وتنمي مواهبهم ومتابعتها لصياغتها ضمن مخرجات إقتصادية داعمة للإقتصاد المحلي ، هذا ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم لتحفيز عقول الأجيال المقبلة وتوعيتها بضرورة الإبداع لأجل غد أفضل ، وإذا كنا ملزمين بتنمية إستثماراتنا المختلفة فعلينا أولا البدء بمنظومة التعليم لإرساء قواعد استثمارية قوية في مختلف المجالات ، وعلينا أن نعرف جيدا كيف نستثمر في الطاقة البشرية الكامنة التي نمتلكها والتي هي بين أيدينا اليوم انطلاقا من التعليم ، فنظام التعليم هو حلقة السلسلة وهمزة الوصل التي يفتقدها الوطن العربي للنهوض بإقتصاده عالميا .