بعض ما سيشق طريقه الى 2025: مصير الاستقرار بين إيجاد الحلول وانتظارها
التنبؤات بما سيحدث عام 2025 تنطلق بمعظمها من الأحداث الخارقة التي وقعت عام 2024 وتتأثر جذرياً بشخصية القيادات كما بالتوجهات السياسية الاقليمية والعالمية. كثير من المفكرين السياسيين يدرس التداعيات المحتملة للأحداث الزلزالية التي وقعت بغض النظر عن موعد وقوعها، انما بدقة علمية بناء على تاريخ هذه الأحداث والشخصيات وراءها. معظم الأجهزة الاستخبارية في الدول الكبرى يعكف على دراسة التوقعات للسنة المقبلة انطلاقاً من معلومات ملموسة وتحليلات مسؤولة. بالرغم من كل ذلك، هناك عنصر الحدث غير المرتقب بكل معنى كلمة "حدث" وما تنطوي عليه من وطأة المفاجأة. بناءً على المؤشرات السياسية والسيرة الذاتية لقيادات عالمية، سأحاول في هذا المقال أن أتحدث عن ما يمكن أن يشق طريقه الى السنة الجديدة، وذلك بعونٍ من أصدقاء وخبراء في مختلف المجالات ومن شتى بقع العالم.
لنبدأ بالرئيس المقبل للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب بكل ما تعنيه زئبقية شخصيته، أفكاره غير الاعتيادية، جرأته على اختبار الجديد، عدم تماسك قراراته أحياناً وشدة تمسكه بآرائه أحياناً أخرى.
أحد أبرز التحديات المقبلة هو احتمال قيام ترامب بفرض أكثر من 25 ضريبة استيراد على السلع من كندا والمكسيك مما سيؤدي الى بدء حرب تجارية خطيرة– وهذا ما يتوقع بعض الخبراء حدوثه مع استلام ترامب السلطة في 20 يناير. ثم ان تنفيذ قرار زيادة إنتاج النفط والغاز قد يؤدّي الى انهيار الأسواق العالمية في الشهرين الثاني والثالث من السنة المقبلة. الأهم، ان الحرب التجارية بين أميركا والصين ستبدأ فور استلام ترامب الرئاسة، وستهز الاقتصاد العالمي برمته. ثم ان ادخال تعريفة جديدة للاتحاد الأوروبي ستسبب بأزمة في الاقتصاد الأوروبي. ولكل هذه التوقعات أثر كبير على اقتصاد الدول العربية نظراً لارتباطها بالاقتصاد العالمي.
الى جانب المخاوف من آثار بدء الترحيل القسري لحوالى 11 مليون مهاجر غير شرعي في الولايات المتحدة من اضطرابات اجتماعية في شهر فبراير، هناك مخاوف من محاولات اغتيال جديدة للرئيس ترامب تهز الأركان في العالم لأن هذا رئيس الولايات المتحدة الأميركية ذات التأثير القاطع عالمياً.
القلق من عمليات ارهابية ذات علاقة بأمثال القاعدة وداعش قلق حاضر على الرادار الأميركي، إنما هناك أيضاً قلق من عنف إرهابي داخلي ينطلق من تطرف مسيحي أو يهودي وليس فقط من تطرف إسلامي. هناك إدراك لمدى الانقسام الداخلي في الولايات المتحدة- الاجتماعي منه والسياسي والفكري والعقائدي. فدونالد ترامب شخصية مثيرة للجدل. الانقسام بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي شعبي بقدر ما هو سياسي وشخصي ميزته الكراهية. وهذا سيمنع التسامح داخل أميركا.
في القارة الأوروبية، ان الانتخابات البرلمانية في ألمانيا نهاية فبراير ستؤثر ليس فقط على حال الاستقرار الداخلي في هذا البلد الرئيسي في الاتحاد الأوروبي وإنما على أوروبا برمتها. هوية المستشار الألماني الجديد ستؤثر في تغيير وجه أوروبا. وهذا بدوره له تداعيات على مختلف الأولويات الأوروبية ومن ضمنها الحرب في أوكرانيا والعلاقة مع روسيا.
هذا يأخذ بنا الى تلك الحرب المصيرية في العلاقة الأميركية- الروسية، بل لربما على الصعيد العالمي إذا ما أدّت التطورات الى السيناريو الأسوأ. هذا السيناريو هو إمكانية لجوء روسيا الى استخدام الأسلحة النووية- التكتيكية في البداية- إذا ما وجدت نفسها مضطرة لهذه المغامرة التي تستبعدها الأوساط الغربية لكونها انتحارية، في رأي الغرب.
وساطة ترامب بين روسيا وأوكرانيا واقتراحاته لتجميد الحرب تواجه الفشل، حسب المؤشرات، وقد تؤدّي بروسيا الى تنفيذ تهديداتها بحرب نووية. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يمهد لرفضٍ روسي لمقترحات ترامب، وما سيليه من تصعيد في فبراير- ابريل. وهذا سيؤدي الى صراع مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) سيما في منطقة البلطيق، لربما مع قدوم شهر مارس- مايو.
يقول أحد الأصدقاء من الخبراء الروس ان الرئيس فلاديمير بوتين لن يقبل أبداً خطة ترامب الداعية الى "تجميد" الحرب فيما تستمر الولايات المتحدة وبقية أعضاء حلف شمال الأطلسي بتسليح وتمكين أوكرانيا. يقول إن بوتين لن يقبل بمجرد "تأجيل" عضوية أوكرانيا في حلف الناتو، كما تنص عليه خطة ترامب. يقول إن إدخال عنصر قوات دولية الى أوكرانيا بحجة حفظ السلام فكرة مرفوضة لدى روسيا. ويقول إن الرئيس بوتين ليس جاهزاً للموافقة على خطة أميركية ليست سوى عبارة عن تثبيت النظام والحكم القائم في أوكرانيا- والذي كانت الإطاحة به بين أولويات الأهداف من الحرب الروسية في أوكرانيا.
إذن، وفي حال فشل خطة ترامب لأوكرانيا، ان حال اللااستقرار سيكون سيد الساحة وسيحبط التوقعات بنجاح ترامب في إيقاف الحرب، كما تعهّد. ولهذا الوعد وإمكانية فشله أثر مهم على ترامب ورئاسته، بل على علاقاته الأوروبية كما على مشاريعه ومقترحاته الشرق أوسطية.
هذا يأتي بنا الى الشرق الأوسط والى الصورة الأشمل عالمياً والسؤال الأبرز وهو: هل الاستقرار وارد؟ وما هي النسبة المئوية بين الاستقرار ونقيضه؟ هل انتظار الحلول يشكّل استقراراً نسبياً أو انه يمهّد نحو لااستقرار مرعب؟
نعرف ان إسرائيل اليوم هي في أفضل موقع آمن في معادلة موازين القوى الاقليمية، بالرغم من تخبطها داخلياً. نعرف أن وضعها المميّز وتموضعها الخارق أتى نتيجة مساهمة أميركية مباشرة في إنجازات إسرائيل الاقليمية وبشراكة عسكرية فعلية أسفرت عن نسف قدرات إيران وعن تدمير ذراعها الأهم، حزب الله.
صحيح ان إسرائيل غامرت، لكن أميركا هي التي أقدمت بفعالية السلاح والمخابرات والمال. إسرائيل تباهت، إنما لولا إدارة الرئيس جو بايدن، لما تمكنت إسرائيل من إنجازاتها. واقع الأمر أيضاً، هو أن الولايات المتحدة استخدمت إسرائيل وفوّضتها لإتمام المهمة بدون تدخل مباشر للولايات المتحدة في إنجازٍ استراتيجي خارق لأميركا.
مقال الأسبوع الماضي تطرق بتفاصيل الى كل من سوريا ولبنان نظراً لأهمية الحدثين فيهما، إنما باختصار، ان موعد الانتخابات في سوريا له أهمية مميزة. فمن الضروري أن يعدّل رئيس الإدارة المؤقتة أحمد الشرع ما قاله حول استغراق وضع الدستور الجديد لسوريا 3 سنوات وحول إجراء الانتخابات بعد 4 سنوات. هذه وصفة كارثية لسوريا. الأرجح أن تتم الانتخابات في موعد أقرب بكثير، وإلا هناك احتمال لانطباع ظهور دولة إسلامية داخل سوريا تهدد الاستقرار وتشيع الفوضى القاتلة في مهد سوريا الجديدة.
لبنان ليس ملحقاً لسوريا لكنه يتأثر بما يحدث داخل سوريا وبين سوريا وإسرائيل. إنما على الساحة الداخلية، ان الفشل في عقد جلسة انتخاب لرئيس الجمهورية سيكون بمثابة نقطة سوداء في السيرة التاريخية لرئيس مجلس النواب نبيه بري بالذات، وليس فقط للقيادات المسيحية وغير المسيحية. التوقعات هي أن تعقد جلسة الانتخاب في 9 يناير وأن تسفر عن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، يليه تعيين رئيس وزراء ثم حكومة المرجو منها ألاّ تكون حكومة مسايرة ولا حكومة رجال حصراً. ذلك ان الإصلاحات المطلوبة من القيادات اللبنانية هي إصلاحات لذهن وعقل وأداء هؤلاء الرجال بعيداً عن الفساد والتمييز ضد المرأة والقوقعة في حسابات سياسية وطائفية مقرفة.
مصر تقع تحت رادار الترقب سيما على ضوء الانتصارات التركية في سوريا وتأثيرها ليس فقط على ليبيا وإنما أيضاً على الأوضاع المصرية. هناك توقعات بمرحلة جديدة من الأزمة التي بدأتها تركيا في ليبيا وذلك مع قدوم فصل الربيع. القلق على مصر ينبثق من احتمال إمساك الاخوان المسلمين زمام الأمور في سوريا. تركيا، بالرغم من التقارب الأخير مع الإمارات ومصر، ما زالت تتمسك بأفكارها السياسية لسوريا وبقية المنطقة العربية.
اليوم يبرز تقارب تركيا مع دول حلف الناتو نتيجة ما تعتبره انجازاتها داخل سوريا بما في ذلك دفع روسيا خارج قواعدها على البحر المتوسط وتقزيم إيران داخل سوريا. اليوم، ما تحتاجه واشنطن- سيما في عهد ترامب- من تركيا هو تسلّم مهمات الاستقرار وتنفيذ التعهدات بمنع ظهور الداعشية مجدداً مقابل اكتفاء واشنطن بالنفوذ وبالسيطرة على المناطق النفطية في سوريا.
النفوذ التركي في سوريا سيساهم في تغيير وجه الشرق الأوسط وسيؤثر جذرياً في موازين القوى الاقليمية. إيران ستبقى في حال تراجعٍ في وزنها الاقليمي، ولعل دونالد ترامب يتخذ قراراً بضرب المنشآت النووية الإيرانية في الربيع المقبل إذا استمرت طهران في المواربة وإذا لم تتقبل ما يعرضه عليها ترامب من مكافآت مقابل تنازلات أساسية عنوانها: لجم الطموحات النووية والتخلي عن عقيدة الأذرع الاقليمية.
ماذا غير ذلك من توقعات؟ هناك كلام عن محاولة أميركية لتغيير السلطة في فنزويلا أواخر الربيع. هناك حديث عن موجة جديدة في الأزمة الكورية سيما نتيجة تجربة نووية لكوريا الشمالية. هناك كلام يبرز مجدداً عن اشتباك حول تايوان أيضاً في مارس أو أبريل. والجميع سيراقب العلاقة الأميركية- الصينية في محطاتها الأمنية والاقتصادية.
مطلع رئاسة دونالد ترامب ستكون فترة قلق وترقب عالمياً. إنما السؤال الأساسي سيبقى التالي: هل انتظار الحلول مصدر استقرار لأن فكرة الحلول تفاؤلية؟ أو أن في انتظار الاستقرار مغامرة تشاؤمية؟