تطوير الشركات الأخلاقية في الأسواق الخليجية

تطوير الشركات الأخلاقية في الأسواق الخليجية

تطوير الشركات الأخلاقية في الأسواق الخليجية

د. صادق العبدالوهاب

 شركة أفلاك هي أفضل شركة أخلاقية في العالم لعام 2022 وفق مؤشر منظمة إيثيسفير العالمية. يظن القاريء للوهلة الأولى أن أفلاك شركة عربية من إسمها إلا أنها إختصار لإسم شركة أمريكية هي الشركة الأمريكية لتأمين الحياة الأسرية. الشركات العربية للأسف الشديد ما زالت بعيدة عن قائمة أفضل مائة شركة أخلاقية في العالم. الشركة العربية الخليجية التي دخلت قائمة الأفضل مائة شركة أخلاقية هي شركة إنشاء المستشفيات الدولية و التي تتخذ من المملكة العربية السعودية مقرا رئيسيا لها ,و قد دخلت لمرة يتيمة في القائمة عام 2014.

شركة سابك السعودية تعتبر حاليا أبرز شركة تخطو نحو تطوير نظامها  كشركة أخلاقية. منظمة إيثيسفير العالمية أعلنت أنها منحت سابك شهادة إمتثال القيادة لأخلاقيات العمل لعام 2022 و أن سابك حصلت على هذه الشهادة للعام الثالث على التوالي. الرئيس التنفيذي للأمتثال في سابك ( السيد زيلاند) صرح بإن شركة سابك حصلت على هذه الشهادة بفضل فريق عمل مكون من 20 عضو يعملون على تطوير السياسات و الأنظمة و التدريبات الخاصة بالإمتثال القانوني و الأخلاقي و البيئي. سابك طرحت برنامج بطولة أخلاقيات العمل و الذي جعل موظفين سابك يتسابقون لمعرفة بنود الميثاق الأخلاقي في الشركة و ينجزون التدريبات المطلوبة منهم في هذه البطولة للحصول على نقاط تفيدهم في تقييم الأداء السنوي و الحصول على ترقيات. شركة سابك أيضا شرعت في تطوير نظام معلوماتي رقمي لكشف الإفصاحات عن تضارب المصالح في الشركة و تقنين إستلام الهدايا و الضيافات كجزء من برنامج مكافحة الرشاوي في الشركة.

رغم ما تبدله شركة سابك طوال الأربع سنوات الماضية في تطوير برامج أخلاقيات العمل إلا أنها لم تصبح لحد الأن من ضمن أفضل مائة شركة أخلاقية. فما هي العوائق التي تمنع سابك و اخواتها من الشركات العربية  و الخليجية من الظهور في قائمة أفضل شركات العالم أخلاقيا؟ أجاب على هذا السؤال الدكتور مين لو مع ثلاث باحثين أخرين من خلال دراسة نشرها في مارس 2022 في مجلة المباني ( بلدينجز) بعنوان "  العوائق الرئيسية وأفضل الحلول لاعتماد الأخلاق و برنامج الامتثال في شركات البناء الدولية الصينية: منظور التنمية المستدامة". الدراسة شملت مشاركة 44 دولة ناميه منها دول عربية أبرزهم المملكة العربية السعودية.

الدراسة أختبرت 18 عائق للإمتثال الأخلاقي تم تصنيفهم إلى أربع فئات: (1) العوائق الإجتماعية و (2) العوائق الإدارية و (3) العوائق النفسية و (4) العوائق المادية. الدراسة كشفت أن أكثر العوائق تأثيرا على عدم تقدم الشركات العربية لتكون من الشركات الأخلاقية هما عائقان إجتماعيان. العائق الأول هو إفتقار الشركات إلى قوانين و أنظمة واضحة في عمليات التوعية و الإدارة للإمتثال الأخلاقي و العائق الثاني هو عدم وجود دعم حكومي كافي من أجل فرض تلك القوانين و الأنظمة أو وجود أجهزة رقابة خاصة على أنظمة الإمثال الأخلاقي في الشركات. أما أكبر العوائق الإدارية فهو غياب إدارة خاصة بالإمتثال لأخلاقيات العمل أو وجود أقسام لإدارة الإمتثال الأخلاقي لكن بشكل صوري بدون صلاحيات كافية.

أكبر عائقان ماديان للإمتثال الأخلاقي في الشركات العربية بحسب دراسة مين لو هما التالي. أولا, ندرة المحترفين في إدارة الأمتثال و أخلاقيات العمل الذي تملك خبرة و مؤهلات تدمج ما بين القانون و الإدارة و المحاسبة. هناك حاجة كبيرة لهذه الشركات لتدريب مدراء الإمتثال على القيادة الأخلاقية و المهارات التنظيمية و نُظُم الإمتثال. ثانيا, ندرة الدراسات التي تبين نماذج لنجاح الإمتثال الأخلاقي في الشركات العربية . فأغلب الدرسات تركز على شركات غربية من مجتمعات و بيئة مختلفة عن المجتمعات العربية و ثقافتها و أخلاقياتها. أما عن أكبر عائق نفسي أمام الإمتثال الأخلاقي في الشركات العربية فهو تضارب القيم المؤسسية مع برامج الإمتثال الأخلاقي التي تطرحه الشركات العربية و عدم  تناغمها  مع الثقافة الخليجية أو العربية .

الدكتور مين لو  في دراسته أيضا قدم 18 حل لمشاكل الإمتثال الأخلاقي في شركات الدول النامية مصنفة إلى أربع فئات : (1) الحلول الإجتماعية و (2) الحلول الإدارية و (3) الحلول النفسية و (4) الحلول المادية. و أن إختبار تلك الحلول أفرز أكثر أربع حلول التي تحتاجها الشركات في الدول العربية من أجل تطوير نظام الإمتثال الأخلاقي فيها و هي الآتي:

 

1.     تنمية القيادة الأخلاقية للإداراة العليا في الشركات (حل إداري)

2.     إصدار قوانين تلزم الشركات بمكافحة الفساد (حل إجتماعي)

3.     توظيف التقنيات المعلوماتية المتقدمة لإدارة و تشغيل برامج الإمتثال الأخلاقي ( حل مادي)

4.     تشجيع الإدارة على أخذ زمام المبادرة في خلق ثقافة بالإلتزام الأخلاقي (حل نفسي)

القيادة الأخلاقية و الثقافة التتظيمية

تنمية القيادة الأخلاقية للإدارة العليا في الشركات يعتبر الحل رقم واحد لتطوير نظام الإمثال الأخلاقي في الشركات العربية و الخليجية. الدكتور سميمو نشر عام 2019 دراسة في مجلة أخلاقيات العمل ( بيزنيس إيثكس) بعنوان " ثقافة الشركة والتحفيز الأخلاقي والزخم الإداري: النظرية والأدلة". دراسة سميمو وجدت علاقة إيجابية بين الإدارة العليا التي تتمتع بقيادة أخلاقية و بين إرتفاع الأداء المالي و الإستثماري من خلال  دراسة تحليلية  شملت 5,181 صندوق إستثماري في الولايات المتحدة الأمريكية.

دكتور سميمو وجد أن الصناديق الإستثمارية لا يرتفع أدائها المالي إلا من خلال قيادة أخلاقية تجسد الميثاق الأخلاقي في الشركة و تدعم التدريبات على الإلتزام الأخلاقي و تضع نظام معلوماتي يسهل على جميع المنتسبين للشركة الإطلاع على الميثاق الأخلاقي و التدرب على تطبيقه. الدكتور جيمس أورورك و معاوينيه نشرو مقال عام 2017 في مجلة إستراتيجية الأعمال بعنوان " ثقافة الشركة وأخلاقها: من الكلمات إلى الإجراءات ". الباحثون إستشهدو في المقال بشركة هنري شين الأمريكية التي حافظت على موقعها ضمن مائة أفضل شركة أخلاقيه لمدة عقد من الزمان و تتبوء بتلك الأخلاقيات في موقع مرموق في سوق المنتجات الصحية بتحقيق إيرادات سنوية تفوق 10 مليار دولار. أوروك يقول أن السبب الأول نجاح شركة هنري شين ليس لأن الشركة كتبت ميثاق أخلاقي فأغلب الشركات الأمريكية كتبت مواثيق مشابهة أن لم تكن أفضل منها. السبب الجوهري وراء تميز شركة هنري شين أخلاقيا و ماليا بإن مجلس إدارتها شمل على قيادات أخلاقية جسدوا الميثاق الأخلاقي في سلوكهم و أنهم أمنوا من بداية تأسيسهم بمقولة أخلاقية هي في أصلها حديث نبوي شريف " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"

الدكتور مين لو أيضا وجد في دراسته أن 80% من الشركات الكبير في الدول النامية و منها الخليجية قد كتبت ميثاق أخلاقي، إلا أن الميثاق الأخلاقي لم يكن هو الحل لضمان الإلتزام الأخلاقي في الشركات الخليجية. الشركات الخليجية تحتاج أولا لتنمية القيادة الأخلاقية في مجالس الإدارة و ذلك عن طريق وضع معايير أخلاقية في ترشيح و أنتخاب أو تعيين أعضاء مجلس الإدارة. أعضاء مجلس الإدارة لابد أن يخوضو تدريبات متقدمة لتنمية إستقرائهم الأخلاقي في صنع القرارات و إعتماد السياسات و المكافئات. ثانيا، الإدارة التنفيذية العليا يجب أن تخوض تدريبات لتعلم كيف تحول الميثاق الأخلاقي لأربع سلوكيات مؤسسية كلاتي:

1.     سلوك قيادي ينظم أخلاقيات الإشراف و صنع القرارات

2.     سلوك إجتماعي ينظم أخلاقيات العمل الجماعي و التواصل الإجتماعي

3.     سلوك مهني ينظم أخلاقيات التعاقد و أداء المهمات

4.     سلوك تكنولوجي ينظم أخلاقيات التدريب و تشغيل التقنيات

الحوكمة و قوانين مكافحة الفساد

الحكومات في الخليج مطلوب منها إصدار قوانين تلزم جميع أنواع الشركات بتطبيق الحوكمة المناهضة للفساد المالي و الرشاوي. منظمة تريس بينت أن معدل الرشاوي أصبح مرتفع في البحرين و السعودية و قطر في 2022 بينما كان بمعدل متوسط قبل عام 2021 و أصبح بمعدل متوسط في عمان و الكويت و الإمارات بينما كان منخفض قبل عام 2019. فبتالي فأن حكومات الخليجية عليها بإلزام جميع الشركات بتطبيق معيار ISO 37000 و ISO 37001 و ISO 37002  و ISO 37301 كأبرز الحلول القانونية الإجتماعية لمكافحة الفساد و الرشاوي.

إلزام الشركات في دول الخليج بقوانين لمكافحة الفساد المالي و الرشاوي هو ضرورة إلا إنه ليس بضمانة لتوقف الفساد و الرشاوي في الشركات. الضمانة تتحقق عندما يندمج القانون داخل هيكل فعال للحوكمة ينظم برامج مسؤولية إجتماعية أخلاقية ترعى حقوق الإنسان و تنصف حقوق العمال في الشركات. هذا الإستنتاج هو ما توصل له لباحث التايلندي لو ترونج توان في بحثه الذي نشره عام 2012 في مجلة المسؤولية الإجتماعية بعنوان " المسؤولية الاجتماعية للشركات و أخلاقيات العمل  و حوكمة الشركات". توان قام بتحليل إستطلاع أراء لمدراء على المستوى الإدارة المتوسطة في 2400 شركة مساهمة عامة مدرجة في سوق المال الفيتنامي. نتائج الإستطلاع أظهرت أن الشركات التي نظمت برامج مسؤولية إجتماعية تهتم بأخلاقيات العدالة المهنية و الرعاية الإدارية كان له دور إيجابي قي تقوية حوكمة الشركات في تطبيق القوانين و السياسات و المعايير المناهضة للفساد المالي و التنظيمي. بناء على هذه الدراسة فأنها توحي بأهمية إهتمام الشركات الخليجية بالبرامج التي تعزز تفشي أخلاقيات العدالة المهنية و الرعاية الإدارية. و أن أفضل منهج لتطبيق تلك البرامج هو إلتزام شركات الخليج بمعيار المسؤولية الإجتماعية ( ISO 26000 ) و أيضا الإشتراك في إفصاحات المبادرة العالمية للتقارير المختصة بالتنمية المستدامة ( GRI  )

أنظمة الإمتثال الأخلاقي

نتفق مع دراسة الدكتور مين لو أن أكبر عائق مادي للإمتثال الأخلاقي في الشركات الخليجية هو ندرة الدراسات التي تبين نماذج لنجاح الإمتثال الأخلاقي في الشركات الخليجية و أن أكبرعائق نفسي هو عدم تناغم القيم في الشركات الخليجية مع برامج الإمتثال الأخلاقي التي يتم طرحها بمعونة مستشارين غير خبراء بثقافة المجتمع الخليجي و أخلاقياته. فالشركات في الخليج عليها أن تجتهد ذاتيا لإدارة برنامج إمتثال أخلاقي ملائم مع قيم الشركات في الخليج و أن تقوم بإبراز تلك النماذج للتسهيل على الأخرين الأقتداء بشركات أخلاقية منبثقة من المجتمع الخليجي.

ألا أن على الصعيد التقني فإن هناك العديد من الشركات الأخلاقية العالمية التي تصلح بإن تقتدي بها الشركات الخليجية في توظيف التقنيات المعلوماتية المتقدمة لإدارة و تشغيل برامج الإمتثال الأخلاقي. أبرز مثال هو النظام الأخلاقي في شركة 3M. هذه الشركة تمتلك نظام جدا متطور لإدارة الإمتثال الأخلاقي. يترأس النظام الأخلاقي في 3M   رئيس تنفيذي للشؤون الأخلاقية مُسائل من قبل مجلس الإدارة و ليس الإدارة التنفيذية و تسعى الشركة لإبرازه كقائد أخلاقي من خلال تجسيده لأخلاقيات الشركة المكتوبة في الميثاق الأخلاقي. الميثاق الأخلاقي في شركة 3M يعتبر من أفضل المواثيق الأخلاقية تفصيلا في العالم. ميثاق 3M يشمل مواثيق عن الإنصاف و الإحسان و الولاء و الأمانة و الثقة و الإحترام التي يجب أن يتمتع بها جميع منتسبين الشركة. تلك المواثيق يمكن أن يحصل عليها أي فرد من موقع 3M الإلكتروني و باللغة التي يتحدث بها. شركة 3M  لديها إدارة الأخلاقيات و الإمتثال التي تشرف على تدريب جميع أصحاب المصلحة في الشركة على الأخلاقيات و ضمان حسن تطبيقها. لجنة التدقيق في شركة 3M تملك نظام نفخ ناقور للتتيح لمن يكتشف مخالفات قانونية او أخلاقية في الشركة أن يقوم بالتبيلغ داخليا لتقوم لجان التحقيق بمعالجة تلك المخالفات. و من اجل ضمان سلامة المبلغين من الإنتقام و حيادية التحقيق قامت شركة 3M  بالتعاقد مع شركة نافيكس العالمية من أجل إدارة نظام التبليغات بشكل يحفظ خصوصية المبلغ و سرية التحقيقات و يردع الإتهامات الكيدية.

الخاتمة

كان هذا المقال أحد المبادرات الذي يسلط الضوء على تطوير الشركات الأخلاقية في أسواق الخليج خصوصا مع إرتفاع معدل الرشاوي و إنخفاض الأداء الإستثماري. فالدراسات تؤكد أن جوهر النجاحات الإستثمارية هو وجود شركات أخلاقية تمول و تشغل تلك الإستثمارات. و أننا نتفق مع  العوائق التي توصل لها الدكتور مين لو التي تعيق تطبيق نظام الإمتثال الأخلاقي إجتماعيا و إداريا و تقنيا و نفسيا , و أيضا نتفق مع الحلول الأربعة التي طرحها من أجل تطوير الشركات الأخلاقية في الخليج. و من أجل نجاح تطبيق تلك الحلول ننصح الشركات في الأسواق الخليجية بتطبيق المبادرات التالية:

1.     تطبيق معايير الحوكمة بتطبيق معيار ISO 37000 و ISO 37001 و ISO 37002  و ISO 37301

2.     تطبيق معيار المسؤولية الإجتماعية ISO 26000

3.     الإشتراك في إفصاحات المبادرة العالمية للتقارير المختصة بالتنمية المستدامة ( GRI  )

4.     تصميم برامج إمتثال أخلاقي من خلال خبراء في الشركة و بمعونة إستشاريين ذو خبر بالأخلاقيات الخليجية

لعرض أو إضافة تعليق، يُرجى تسجيل الدخول

المزيد من المقالات من د. صادق العبدالوهاب