كلية العلوم والتقنيات: خطوة جديدة على طريق تطوير البحث العلمي الجامعي
نظم قسم البيولوجيا بكلية العلوم والتقنيات بجامعة نواكشوط العصرية أمس الأربعاء 17 يناير الجاري "اليوم العلمي الموريتاني الأول حول فيروس الورم الحليمي البشري المسبب لسرطان عنق الرحم" وهو الفيروس المعرف اقتصارا تحت اسم HPV بالإنجليزية أي (Human Papillomavirus) وVPH بالفرنسية (Virus du Papillome Humain).
وكانت هذه التظاهرة العلمية الهامة عبارة عن تقديم ونقاش مجموعة من العروض أعدها باحثون موريتانيون ومن بعض الدول العربية تناولت أساسا نتائج بحوث ميدانية تم تقديمها تحت العناوين التالية:
1. تقييم مستوى معرفة طلاب جامعة نواكشوط لفيروس الورم الحليمي البشري ونوعية السرطانات التي يتسبب في ظهورها؛
2. دراسة جزيئية لسلالات فيروس الورم الحليمي البشري في موريتانيا؛
3. الكائنات الدقيقة المرتبطة بسرطان عنق الرحم في ثلاث مقاطعات من العاصمة نواكشوط؛
4. النساء الموريتانيات الأكثر عرضة للإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري؛
5. استراتيجية الائتلاف الإقليمي للقضاء على فيروس الورم الحليمي البشري؛
6. استراتيجية وزارة الصحة الموريتانية في بعديها الرقابي والوقائي؛
7. استراتيجية جمهورية مصر العربية وانجازات برنامجها المحلي في القضاء على فيروس الورم الحليمي البشري.
ومن أهم الجوانب التي عالجتها تلك العروض العلمية أن لفيروس الورم الحليمي البشري ما يزيد عن 100 نوع وأن بعضها يمكن أن يسبب الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان ثم أسباب الإصابة بهذا الفيروس وطرق نقله من شخص إلى آخر وأعراضه وعلاجه. وفي جل الدراسات المقدمة تم التركيز على الأنواع المسببة لسرطان عنق الرحم عموما وعلى تلك التي تعتبر من أخطرها فتكا ثم على نتائج البحوث الأولية التي تم إنجازها في موريتانيا حول هذا الموضوع وما اقترن به.
أما بخصوص النقاشات فقد أبرزت أهمية تنظيم هذه التظاهرة وقيمتها العلمية واعتبرتها خطوة جديدة على طريق تطوير البحث العلمي الجامعي ومبادرة قيمة تستحق التنويه والدعم المطلوب لتتطور إلى حدث علمي كبير يقام كل سنة حول موضوع يتم اختياره على أساس مستوى توفر المعطيات والتناغم مع أهداف السياسات الوطنية والاستراتيجيات القطاعية للصحة والبحث العلمي وكذلك ملامسة حاجات واهتمامات الناس من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغير ذلك.
وقد خلصت النقاشات إلى دعوة منظمي هذه النسخة الأولى إلى ضرورة صياغة مجموعة من التوصيات تساعد في معالجة ما قد يعتبر نواقص وتمكن من تفادي تكرارها مستقبلا سبيلا إلى تطوير البحث العلمي في بلادنا وإلى تثمين نتائجه ومضاعفة مساهماته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للوطن.
وتعبيرا عن تضامني مع هذه الفكرة وتجسيدا لشكري للقائمين على تنظيم هذا اليوم العلمي الأول حول موضوع قد يكون من أولويات الصحة العمومية في بلادنا أتقدم – تطفلا - بالتوصيات التالية علها تثير قريحة أصحاب الاختصاص وعبقرياتهم.
ويتعلق الأمر بتوصيات عامة تتلخص في:
· ضرورة تنظيم هذا اليوم العلمي كل سنة والتحضير له جيدا مع الجهات والأشخاص ممن لمشاركاتهم ومساهماتهم قيمة مضافة مؤكدة؛
· تنظيم حملة تحسيسية شاملة تضمن وصول الخبر على نطاق واسع لا سيما إلى المجموعات المستهدفة أولا من خبراء معنيين ومنظمات ومجتمع؛
· إعطاء الوقت الكافي لتقديم العروض والنقاش وصياغة النتائج الأولية (خلاصة مقتصرة لمجريات أحداث التظاهرة)؛
· إعطاء أهمية خاصة لاختيار مواضيع رسائل التخرج (اللصانص والماستر) ولخطط تلك الرسائل وطبيعة المؤطرين أيضا من حيث الاختصاص (مؤطر أول من الكلية ومساعد أو أكثر من جهات أخرى حسب طبيعة الموضوع)؛
· إدراك أهمية رسائل اللصانص والماستر بالنسبة لتحضير أطروحات الدكتوراه ولمؤسسات البحث العلمي التطبيقي؛
· ضرورة وجود متخصصين في علم دراسة تنوع عالم الأحياء (taxonomie/systématique) أي تصنيف الكائنات الدقيقة والنباتات والحيوانات
· إعطاء أهمية خاصة لخطة أخذ العينات أولا (plan d’échantillonnage) نظرا لمحدودية الأماكن المشمولة بالدراسات على امتداد التراب الوطني وثانيا للمعلومات الخاصة بكل فرد من الأفراد المعنيين ضمن الخطة (الجنس والعمر ومحل الإقامة الأصلي والظروف المعيشية بما فيها المحيط البيئي وكذلك طبيعة الامراض الاخرى التي يعاني منها المريض بما فيها تلك الوراثية إلخ)؛
· العمل على تحديد أنواع فيروس الورم الحليمي البشري الشائعة في موريتانيا وإنشاء خريطة تعكس الانتشار الجغرافي للفئات المسببة للإصابة بسرطان عنق الرحم مما يساعد على اختيار وجلب العلاج المناسب على بينة (العلاقة بين نوع الفيروس ونوع اللقاح المطلوب) ؛
· نشر نتائج البحوث العلمية على نطاق واسع والعمل على تثمينها من طرف مؤسسات البحث العلمي التطبيقي (البحث والتنمية) بغية تحويلها إلى مشاريع من طرف الدولة ورجال الأعمال وأصحاب المبادرات الخاصة. وقد يستحسن هنا نشر ملخصات لتلك البحوث بلغة في متناول الجميع ليسهل فهمها والاستفادة منها ميدانيا في الحياة اليومية أو في نشاط له مردودية اقتصاديا أو اجتماعيا أو بيئيا؛
· تطوير مهارات الباحثين في مجال تخطيط وتسيير مشاريع البحث العلمي والتكنولوجي؛
· إشاعة ثقافة أخلاقيات العلوم والتكنولوجيا في الأوساط العلمية عامة وفي المجالات الطبية والبيئية خاصة وذلك من أجل ضمان احترام المبادئ والنظم والمعايير في هذا المجال الحيوي.
بهذه المناسبة أذكر بأن البحث العلمي عبارة عن مراحل قد تختزل في مرحلة أولى يترعرع فيها النشاط وقد يظهر فيها بعض الإخفاقات والأخطاء والعثرات نتيجة غياب رؤية واضحة واستراتيجيات خاصة تتناغم مع أهداف السياسات التنموية الوطنية وتسعى إلى تحقيقها بالإضافة إلى غياب أو ضعف البيئة الحاضنة للبحث العلمي، ومن الأسباب الأساسية لهذه الوضعية أن الغالبية العظمى في الدولة والمجتمع لا تدرك أهمية البحث العلمي وبالتالي لا يحصل على الدعم ولا الإمكانات المطلوبة لنموه) ومرحلة ثانية يكبر فيها النشاط ويصل إلى سرعة الانطلاق الشيء الذي يحصل عادة بفضل جهود جنود مجهولين يعرفون كيف يستفيدون من الأخطاء والتجارب وطنيا وعالميا وكيف يستطيعون بالتدرج تحويل أعداء البحث العلمي إلى أصدقاء ومناصرين ثم إقناع أصحاب القرار بأهمية دور البحث العلمي في تنمية البلاد وبضرورة مضاعفة الاستثمار في مرافقه وأنشطته وثالثا وأخيرا مرحلة قطف الحصاد وهي وصول البحث العلمي إلى درجة تجعل مخرجاته تتحول بسهولة إلى سياسات وإلى مشاريع تطور البلاد في جميع المجالات وتسعد الشعب وإلى نتائج ترفع مساهمات البلد في تطوير تراث البشرية ومكانته وحضوره في المحافل الدولية.
أخيرا هل من مجيب على التساؤل "في أي مرحلة من المراحل الثلاث أعلاه يوجد البحث العلمي في جامعة نواكشوط العصرية وفي باقي المؤسسات البحثية الموريتانية؟"
د. سيدي المختار الطالب هامه